مجالات وأهداف العمل الاجتماعي مع الأطفال في ظروف صعبة

 

يقصد بالأطفال في ظروف صعبة: الأطفال العاملين والمعرضين للتسرب والاتجاه لسوق العمل بسبب الفقر وقصور التعليم والقناعات الثقافية بشأن الطفل، وهم كذلك الأطفال المحرومين من الخدمات أيا كان نوعها (تنموية – تعليمية- صحية...إلخ) والأيتام. وسنركز في هذا المقال على الأطفال العاملين لأنهم وأطفال الشوارع من الفئات المهملة في مجتمعنا. 

من المهم كي نستطيع التعامل مع الأطفال العاملين في أى مشروع ما، أن نأخذ  فكرة عنهم وعن القضايا المرتبطة بهم. وهناك خمس أسئلة هامة في هذا الصدد:

من هم الطفال العاملين؟ لماذا يعملون؟ كيف يعملون؟ ماذا الذى يفعلونه في عالم العمل؟ ما النتائج المترتبة على عملهم؟ 

عند إجابة هذه الأسئلة يمكن أن نستخلص معاً مبررات التدخل لصالحهم، وكيف يتم هذا التدخل.

  1. من هم الأطفال العاملون ؟

الأطفال العاملون هم أطفال اضطرتهم ظروف وأسباب أو عوامل كثيرة إلى الدخول في عالم العمل وسوقه. وهناك أطفال يعملون بدلاً من التعليم وآخرون يجمعون بين التعليم والعمل.

وعندما نتحدث عن الطفل العامل فيجب علينا الالتفات إلى شقي المصطلح:  

الطفل: الذى يتميز بعدم النضج وبخصائص وجدانية وجسمية معينة.

العمل: نعمة النعم لدى الراشد لأنه مصدر رزقه ومنبع نمو شخصيته وتحقيق ذاته.

الطفل العامل يعتبر راشداً لأنه يتحمل مسئوليات مثل الإنفاق على أسرته أو على ذاته عندما تعجز أسرته في الإنفاق عليه. ولأنه يخوض تجربة العمل بخبراتها وحلوها ومرها. ولكنه في الوقت نفسه اختصر مرحلة الطفولة من عمره وهذا يعرضه لمشكلات نفسية. وقد تكون مسئولية العمل وخبراتها غير متناسبة مع مستوى نضجه مما يعرضه لآلام وخبرات مريرة.

ويميل بعض الخبراء إلى الفصل بين مصطلحي الطفل العامل وطفل الشارع. والطفل العامل يعمل في مكان ثابت وله أسرة يعود إليها . أما طفل الشارع فعمله جائل فيه، وهو مكان غير ثابت إلى جانب أنه في الأغلب ليس لديه أسرة يعود إليها مما يضطره للمبيت في الشارع.

  1. لماذا يعملون ؟

يمكن رد العوامل التى أدت إلى عمل وعمالة الأطفال إلى أربعة:

  • الفقر والحاجة الاقتصادية،
  • قصور التعليم،
  • القناعات التى تتوفر لقطاع معين من السكان بعدم جدوى التعليم، وأهمية العمل في مرحلة الطفولة كنوع من الننشئة الاجتماعية، أو بضرورة توريث مهنة معنية لأفراد الأسرة.
  • بعض الأطفال ينفق على ذاته، والبعض الآخر يرغب في ذلك عندما يصل إلى بداية مرحلة المراهقة خاصة في ظل نمط استهلاكي معين للمجتمع.

ومن المهم بلورة الفروق في الأسباب التى دعت فئة معينة من الأطفال إلى الاتجاه نحو العمل عوضاً عن التعليم من وجهة نظر صنع السياسات والبرامج العامة للدولة؛ لأن لكل فئة خصوصيتها. وفى هذه الحالة علينا الانتباه إلى الأهمية النسبية لعامل دون آخر [هل كان الفقر هو المسبب أم التعليم بالنسبة لفئة معينة]. ولكن المنشط الاجتماعي والتربوي الذي يعرف أهمية التداخل يدرك صعوبة الفصل بين هذه العوامل، لكن يهمه فهمها من زاوية بناء برامج تدخل متنوعة تستجيب لحاجاتهم وظروفهم.

  1. أين يعملون؟

يعمل الأطفال في المهن التالية:  

الزراعة – النجارة – ميكانيكا السيارات – فران – تباع على عربية – ميكانيكا عام – لف مواتير – دوكو سيارات – مصانع صغيرة وأخرى متوسطة – باعة متجولين – خدم في المنازل – في ورش الذهب – في لم القمامة.

من متابعة أنماط المهن السابقة يمكن رصد أن أغلبها يقع تحت فيما يسمى القطاع غير النظامى وهو قطاع مبعثر – مفتت– بعيد عن رقابة الدولة ويصعب أن تتابعه إذا أرادت ذلك [عن طريق مفتشى العمل] فهو بعيد عن سيطرتها. ولايمكن تعزيز سيطرة الدولة دون رأى عام قوى داعم لها.

لهذا تبدو أهمية تواجد منظمات صغيرة الحجم، منتشرة ومتغلغلة، لها آليات وبرامج مرنة تستطيع بها الوصول إلى الفئة المستهدفة.

  1. كيف يعملون ؟ ما الذى يفعلونه ؟

عادة ما يؤدى الأطفال أعمالاً مثل: مناولة الأدوات – لم كسر الشقافة في الفخار – رص قصارى الزرع التى يتم حرقها في الفرن وإدخالها فيه وإخراجها منه – كنس الورشة.

بعض الحرف يبدأ فيها الطفل بأعمال بسيطة ثم يتدرج ليصل إلى الأعمال المعقدة. ولكن ما الزمن الذى يستغرقه الطفل للتعليم؟؟ هل هو طيل أم قصير؟؟ وهل يتعلم ما يجعله يتقي مخاطر العمل الفجائية؟؟ [مثل العمل في مكابس أو مخارط والتعامل مع أدوات لها قوة البتر؟]

هل عمل وعمالة الأطفال قانوني؟

نحن نعلم أن عمل الأطفال يعتبر عملاً مخالفاً للقانون. وصاحب العمل يدرك هذا الأمر جيداً فيخسف بأجره. والطفل العامل ليس له حقوق العمال.

  1. ما النتائج المترتبة على عملهم؟

يتضح مما سبق أن الطفل العامل يمر بخبرة عمل تؤدى إلى عدة نتائج، بعضها قد يكون إيجابي والبعض الآخر قد يكون سلبي، وبعضها قد تكون نتائجه عاجلة والبعض الآخر قد تكون نتتائجه آجله. وللتوصل إلى أمثلة على ذلك يمكن التحاور معاً لتحديد المهن التى تعتبر خطرة على الطفل وأيها أكثر خطورة من غيرها ولماذا؟

مثال مهنة الصائغون: خطورتها في التعامل مع النار ودرجات الحرارة العالية -مدد طويلة – ويوجد كذلك المواد المنصهرة، والأبخرة، واستخدام المواد الكميائية.

المدابغ: لها نفس الظروف إلى جانب وجود مكابس تؤدى إلى إصابات مباشرة وأبخرة الكولا التى تؤدى إلى  الإدمان.

ومن المهن التى على رأس القائمة الأعمال الخطرة وهى جديرة بأولويات المكافحة وبرامج التدخل: الفواخير - الدوكو – المسابك – المحاجر.

اختلفت الآراء بشأن مدى خطورة مهنة الزراعة، ولكنهم اتفقوا على أنه إذا كان المزارع يستخدم الكيماويات فإن الطفل سيكون عرضة للخطر أكثر من الراشد نتيجة لعدم نضج تكوين الرئتين.

ومن التساؤلات الهامة: هل هناك معايير يتم الاستناد إليها في الحكم على درجة خطورة العمل أو أكثر المهن خطورة؟ من الصعب التوصل إلى معايير مجردة. والمعيار المتفق عليه هو درجة الضرر الواقعة على الطفل وهل هي عاجلة كالبتر أم آجلة كتضرر الرئة.

وهذه المناقشة تؤدى بنا إلى نقطة أخرى هى المدى الزمني للتضرر الواقع على الطفل، فهناك نتائج عاجلة تترتب على عمل وعمالة الأطفال مثل الحصول على أجر، والتعرض لإصابة مباشرة. وهناك نتائج آجلة مثل التضحية بالتعليم والتدريب على صنعة في زمن يتوقف على تقدير صاحب العمل وكجميل يرهن به الطفل بدلاً من كونه حقاً طبيعياً له.

ترى المنظمات العالمية والمحلية المهتمة بقضايا الأطفال العاملين، أنه يوجد فارق كبير بين بناء أولويات للمكافحة والقضاء على الظاهرة كنتيجة جهود الدولة من جهة، وبين نتائج العمل على الأطفال العاملين أو بيان المكاسب والخسارة العائدة على كل طفل بصورة فردية من جهة أخرى وقد سمى هذا بنموذج الكلفة والعائد.

يمكن تصور نموذج الكلفة والعائد كما يلى:

مكاسب العمل

مساوىء العمل

-          الأجر

-          يعول نفسه وأهله

-          اكتساب بعض خبرات المهنة

-          اكتساب بعض الخبرات الحياتية

-          اكتساب الثقة بالنفس لأنه عامل وكسيب (إذا كان قد فشل في التعليم)

-          خبرات التعامل في السوق ومع أصحاب الأعمال

-          اخوته يدخلون المدرسة

-          قد تكون معاملة صاحب العمل جيدة

-          ساعات العمل قاسية

-          لايتاح له فرصة التعليم المدرسي

-          يضحي بفرص التعليم الحالية والمستقبلية

-          مخاطر العمل

-          معاملة صاحب العمل قد تكون قاسية

-          تدريب الطفل يتوقف على صاحب العمل

-          انعدام الثقة بالنفس نتيجة الفشل في التعليم أو الحرمان منه، أو على الأقل شعوره أنه أقل من المتعلمين

-          الحرمان من الطفولة

-          الحرمان من الأمان الأسري

 ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن عمل الطفل معناه حدوث شيئين متزامننين هما:

التعرض المبكر لخبرة العمل --------------------

----- يعمل على نضج مبكر في غير أوانه

الحرمان من الطفولة ---------------------------

----- يؤدى إلى عدم القدرة على الاتزان الانفعالى ما بين الأنا والآخر لهذا يحدث ما يسمى تضخم الأنا وعدم القدرة على الإنصات

ومبرر الأخذ بهذا النموذج أنه عند التعامل المباشر مع الأطفال العاملين لا يتصور أن يبدأ المنشط الميداني بتوضيح أن كل ظروف العمل المحيطة بهم هى شر ووبال عليهم، الأمر الذي يجعلهم محبطين ويفقدهم القدرة على الثقة بإمكانية تغيير ظروفهم. وإلى جانب ذلك قد يصعب تحويل الطفل من العمل إلى التعليم أو قد يستحيل.         

لذا؛

فمن الأجدر هنا التفكير بشكل عملي وعلى برامج الرعاية أن تجمع بين إتاحة فرص التعليم وفرص العمل. 

وفى النموذج السابق نرى أن الطفل نفسه هو محور برامج المنظمة وفريق عملها، والمنشط الاجتماعي عليه أن يزيد كفة المكاسب ويقلل من كفة الخسارة مع الطفل وأسرته. وعند زيادة كفة المكاسب سنأخذ في اعتبارنا أن هذا لن يتأتى دون زيادة قدرة الطفل على إجراء ذلك بنفسه فالطفل هو صاحب المصلحة في تغيير وضعه الحالي وضمان مستقبل أفضل لنفسه.

فجوهر عمل برامج التدخل يمكن بلورته أو تحديده في ألفاظٍ ثلاث هي:

إعادة الثقة بالنفس- إعادة التأهيل – التمكين

  1. لماذا نتدخل؟
  • نرد له حقه ببرامج الرعاية والتنمية في الطفولة والمراهقة
  • نعوضه عن فرص التعليم الضائعة خاصة في مجالات شديدة الهمية كالصحة والتغذية والدفاع عن النفس من التنمر والتحرش
  • نعيد تأهيل الطفل العامل ودمجه في مجتمعه المحلي
  • نمكنه من تسيير مقدرات أموره بنفسه.
 
   
  1. كيف نتدخل؟ (مجالات التدخل وتأثير كل مجال)

مجالات تقليدية / مؤسسية

  • كالتعليم الموازى للمدرسة
  • للحصول على أساسيات العربى – والحساب – والمعارف الوظيفية

مجالات حياتية مؤسسية  / موقفية

  • المعارف العامة
  • الأنشطة الحرة من رياضة وفنون بصرية ومسرحية
  • العلاقات الاجتماعية بالأقران نحو الاتزان والقدرة على الأخذ والعطاء
  • التفاوض مع الأسرة لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل
  • التفاوض مع صاحب العمل لتحسين بيئة العمل وظروفه

والمقصود بإعادة التأهيل: بأنها العملية التنموية التى تحدث للطفل نتيجة التدخل ببرامج الرعاية السابق الإشارة إليها في مجالات متنوعة، بحيث يكون من نتائج التدخل أن ترتفع القدرات العقلية للطفل وتتحسن معارفه التطبيقية والعامة ويتم تكييفه بشكل أفضل مع عائلته والمجتمع المحلى المتواجد به، وذلك كله بما يحقق صالحه وصحته النفسية الحالية والمستقبلية وعلى أساس تعزيز قدرته على الاختيار وتمكينه من تنفيذ قراراته.

من أين تأتي الثقة بالنفس؟

تأتى الثقة بالنفس عن طريق زيادة قدرات ومعارف الطفل وتنمية على أفضل وجه، ومن المعاملة الحسنة والحوار البناء لاستكشاف المستقبل والتعامل معه، ومن القدرة على اتخاذ القرار ومسار الحياة بطرقة مستقلة وغير معتمدة على أحد.

ما فائدة اللغة العربية والحساب ؟

إذا كان الإنسان يقرأ ويكتب فهو مستقل فيما يقرأه، وفي التفكير فيه، وفي الحصول على المعلومة زماناً ومكاناً، والقراءة تزيد من القدرة على التعبير عن النفس دون التأثر بأفراد خارجيين يقرأون له أو يكتبون له ويكتشفون أسراره. أما الحساب فعلاوة على قائدته في الحياة العامة فهو يرقى المهارات العقلية المجردة.

ما المجالات الحياتية / الموقفية التى يتم التدخل فيها ؟؟     

  1. الأسرة / العمل / الشارع / الأقران / المدرسة / مقر الجمعية الأهلية كمركز تجميع الفئة التى تم اختيارها للتعامل معها (وكلها مجالات للتنشئة الاجتماعية) فالشارع يتعلم منه الطفل مهارات معنية كحماية نفسه عند العبور والتعامل مع الغرباء مع حفظ المسافات. والأسرة تنشىء الطفل على قيم مرغوبة كالصلاة، والأصدقاء ينقلون لبعضهم البعض خبراتهم ورأيهم في بعضهم البعض وفي مواقف كثيرة يمرون بها. فكل هذه الأماكن تعد مجالات تعليم وتعلم في الصغر أى تنئشة اجتماعية، وإعادة إندماج في لحمة المجتمع. 
  2. المجال المعرفي بالتركيز على وظيفية المعرفة وفائدتها لنا (أطفال في ظروف صعبة) في الحاضر ومستقبلاً.
  3. المجال الإدراكي والعاطفي: حيث يتم التدخل بطرق متعددة كالبرامج التخصصية (وهي مستمدة من علوم سيكولوجية) والمسرح التعبيري وأسلوب القصص والفنون البصرية التى يؤدي ممارستها إلى تحقيق الكثير من النتائج لعل أهمها تطوير القدرة على اتخاذ القرار والتعقل. فالطفل ينمو من الأنا إلى الاتزان النفعالي في علاقته بالآخر عند الوصول لمرحلة الرشد.
  4. النمو الشخصى والعام (من كونه منبوذا إلى كونه له فائدة لنفسه وللجماعة)
  5. النمو المهنى والفاعلية كإنسان في المجتمع والحضارة التى نعيشها.

الكلمات المفتاحية  Key words

حقوق الطفل – إعادة تأهيل المهمشين–  الطفل العامل

قضايا التعليم غير النظامي – أصول اجتماعية للتربية

;
شاركها بين اصدقائك :